حرب الفظائع : تقرير يوثّق  الإستهداف المتعّمد للمدنّيين في السودان  

جنيف : تقرير بعثة الأمم المتحدة لتقصي 

0 29

كشف تقرير للبعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن السودان في أحدث تقرير صدر لها اليوم الجمعة الخامس من سبتمبر 2025 بجنيف ، أن القوات المتنازعة في السودان تستهدف السكان المدنّيين عمدا في انحاء البلاد المنكوبة ، وترتكب فظائع تتمثل في جرائم حرب على نطاق واسع ومنهجي ، وقالت إنها قد ترقى بعض الأفعال منها إلى مستوى جرائم ضد الإنسان ّية ، بما في ذلك الاضطهاد والإبادة .

 

وقالت المصادر ان التقرير المقدّم إلى مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة جاء بعنوان (حرب الفظائع) ، وخلص إلى أن القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع مسؤولتان ليس فقط عن هجمات مباشرة وواسعة النطاق ضد مدنيين فحسب ، بل أيضا عن تدمير واسع للبنى التحتية الحيوية الضرورية لبقائهم على قيد الحياة، بما في ذلك مراكز طبية و أسواق وأنظمة غذاء ومياه ومخيمات نزوح .

 

وخلص التقرير أيضا إلى أن قوات الدعم السريع ، خلال حصارها للفاشر والمناطق المحيطة بها، ارتكبت مجموعة واسعة من الجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك القتل، والتعذيب، والاسترقاق، والاغتصاب، والاستعباد والعنف الجنسي، والتهجير القسري، والاضطهاد على أسس عرقية وإجتماعية وسياسية. وقد استخدمت قوات الدعم السريع وحلفاؤها التجويع كوسيلة من وسائل الحرب، من خلال حرمان السكان المدن ّيين من المواد الأساس ّية اللازمة لبقائهم على قيد الحياة، بما في ذلك الغذاء والدواء والمساعدات الإغاثية، وهو ما قد يرقى إلى مستوى الإبادة الجماعية والتي تعتبر جريمة ضد الإنسانية .

 

وقال محمد شاندي عثمان، رئيس بعثة تقصي الحقائق : إن النتائج التي توصلت إليها تحقيقاتهم لا تترك مجالا للشك بأن المدنيين يدفعون الثمن الأكبر في هذه الحرب ، مؤكدا  أم الطرفان يقومان باستهداف المدنيين عمدا عبر الهجمات، والإعدامات بإجراءات موجزة ،والاحتجاز التعسفي والتعذيب  والمعاملة اللا إنسانية في مرافق الاحتجاز، بما في ذلك الحرمان من الغذاء وخدمات الصرف الصحي والرعاية الطبّية ، وقالت إن المآسي لم تكن عرضية ، بل هي استراتيجيات متعمدة ترقى إلى مستوى جرائم حرب . 

 

وأكدت إن قوات الدعم السريع ارتكبت جرائم ضد الإنسانية بما في ذلك القتل والعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي ، والنهب وتدمير سبل العيش على نطاق واسع ، وقد تصل أحيانا إلى مستوى الاضطهاد والإبادة الجماعية .

 

وأكد التقرير إن الدعم السريع تستهدف المدنيين على أساس إنتماؤهم المفترض للطرف الآخر، وقد نفّذت قواتها وحلفاؤها في مدينة الفاشر والمناطق المحيطة بها ، عمليات قتل على نطاق واسع راح ضحّيتها مئات المدنيين، حيث و ّجهت هجمات ضد مجتمعات غير عربية عمدا، بما في ذلك الزغاوة، والفور، والمساليت، والتنجر، وقامت بتهجير السكان قسرا . 

 

وكشف التقرير إنه في مخيم زمزم ، حصلت مجزرة في نيسان/ أبريل الماضي ، حيث قتل ما بين (ثلاثمائة – ألف وخمسمائة) مدني قال معظمهم من النساء والأطفال ، بينما إستهدفت القوات المسلحة السودانّية وحلفاؤها مجتمع الكنابي في الجزيرة بعد استعادتها السيطرة على المدينة في كانون الثاني / يناير من العام الجاري ، مما أسفر عن مقتل العشرات وإجبار معظم السكان على الفرار .

 

واوضح التقرير ان الطرفين فشلافي اتخاذ تدابير كافية للحدّ من أثر الضربات الجوية والقصف المدفعي على المدن ّيين والبنى التحتّية المدنية ، وقال نتيجة لذلك ، تم تدمير مدن وقرى ومخيمات نزوح ومستشفيات ومنازل، بشكل منهجي أو جعلها غير صالحة للسكن، مما أدى إلى نزوح  (12.1) مليون شخص ، ومعاناة أكثر من (نصف) سكان البلاد من انعدام حاد في الأمن الغذائي . 

 

مؤكدا أن هنالك مرفق صحي واحد فقط من بين كل (أربعة) ما زال يعمل في المناطق الأكثر تضررا ، كما تم عرقلة المساعدات الإنسانية ومهاجمة القوافل واستهداف عاملي الإغاثة، وقتل أكثر من (84 ) من العاملين السودانيين في المجال الإنساني خلال الفترة بين نيسان/ أبريل 2023 ونيسان/ أبريل 2025 بينما تم اعتقال آخرين تعسفيا .

 

وخلص التقريرإلى أن طرفي النزاع قاما باعتقال تعسفّي لمدنّيين واحتجازهم وتعذيبهم بسبب انتماء الضحايا الإثني أو آرائهم السياسية أو عملهم أو لزعم تعاونهم بطرف النزاع الآخر ، وغالبا ما تم احتجاز معتقلون دون الحصول على الغذاء الكافي أو خدمات الصرف الصحي أو الرعاية الطبية ، وكشف ناجون من مراكز احتجاز تابعة لقوات الدعم السريع بأنها (مسالخ) حيث تعرض المعتقلون في بعض الحالات للضرب حتى الموت والإعدام بإجراءات موجزة ، كما أجبر بعضهم على العمل القسري

أو تم احتجاز البعض مقابل فدية ، وأجبرت الأسر على دفع فدية لإطلاق سراحهم .

 

وارتكب مقاتلون في قوات الدعم السريع أعمال عنف جنسي وعنف قائم على النوع الاجتماعي، بما في ذلك الاغتصاب، والاغتصاب الجماعي، والزواج القسري، والاستعباد الجنسي. واستهدفت نساء وفتيات من مجتمعات غير عربية بشكل خاص، بمن فيهن من لم يتجاوز أعمارهن الـ(12) عاما ، كما تو ّرط أفراد من القوات المسلحة السودانية والقوات المتحالفة معها في أعمال تعذيب ذات طابع جنسي في أماكن الاحتجاز .

 

بينما صرحت جوي نجوزي إيزيلو، الخبيرة عضو البعثة : وقالت نجد وراء كل حالة موثّقة عائلة محطمة، ومجتمع نازح، وإنسان نجى من عنف لا يمكن تصوره ، وقالت إنهم أجروا مقابلات مع العديد من المدن ّيين الذين عانوا من صدمات نفسية شديدة أو شهدوا عمليات قتل وتجويع وعنف جنسي وتعذيب وتدمير للخدمات الأساسية، وقالت ان حلقة الإفلات من العقاب أدت إلى تمكين الجناة لعقود من سحّق الضحايا، وخاصة النساء والأطفال الذين يتحملون العبء الأكبر العدالة والتعويض .

 

فيما حدّد التقرير الخطوات اللازمة في سبيل المساءلة، مشدّدا على أن تحقيق العدالة والحماية يجب أن يتم فورا من دون انتظار التوصل إلى اتفاق سلام. فالمؤسسات المحل ّية في السودان لا تزال غير راغبة أو قادرة على إجراء تحقيقات ذات مصداقية بشكل فعلي ، وبدلا من ذلك، فإنها تديم العدالة الانتقاّئية، وتحمي الجناة من خلال الحصانات والعفو، وتستمر في حرمان الناجين من أي فرص انصاف حقيقية .

 

وقالت منى رشماوي، الخبيرة عضو بعثة تقصي الحقائق: ان هذا التقرير لا  يشمل كشف الفظائع فحسب، بل يضع خارطة طريق في سبيل الوصول إلى العدالة ، وقالت يجب على المجتمع الدولي التحرك الآن لإنفاذ حظر على الأسلحة، ودعم تحقيق العدالة من خلال مساندة المحكمة الجنائية الدولية ، وإنشاء آلية قضائية مستقلة للسودان ، واستخدام الولاية القضائية العالمية لمساءلة الجناة ، وضمان أن يتحمل المسؤولين عن ارتكاب الفظائع عواقب أفعالهم ، بما في ذلك العقوبات المحددة .

 

وقالت رشماوي كل يوم تقاعس يعني يوما إضافيا من تعرض الشعب السوداني للهجوم، إذ تتعرض حياتهم ومجتمعاتهم وسبل بقائهم لخطر المساءلة ليست خيارا، بل هي ضرورة قانونّية وأخلاقّية لحماية المدن ّيين ومنع ارتكاب المزيد من الفظائع .

 

وقد طلبت بعثة تقصي الحقائق من المجتمع الدولي فرض عقوبات محددة على الأفراد والكيانات المسؤولة عن ارتكاب جرائم دولية كما حثت على اتخاذ إجراءات سريعة ومنسقة لوقف أعمال الاقتتال، وحماية المدنيين، ورفع حالات الحصار، ووقف الاستهداف العرقي والعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، وحثت جميع الدول، ولا سيما تلك التي لها نفوذ على الأطراف المتناحرة، على الالتزام بحظر الأسلحة والامتناع عن تقديم أي نوع من الدعم، وزيادة المساعدات الإنسانية .

 

وأشار عثمان إلى أن لسودان يمر بواحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم وأخطر حالات الطوارئ المتعلقة بالجوع ، حيث يواجه بعض سكانه جرائم حرب واضطهاد وإبادة، ويمتلك المجتمع الدولي الأدوات اللازمة للتحرك، وإن أي تقاعس عن ذلك لن يكون خيانة للشعب السوداني فحسب ، بل سيكون خيانة لأسس القانون الدولي ذاتها .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.